بعد ما بعد الحداثة ≠ اليوتوبيا
السبت, 23.07.16, 20:00
السبت, 21.01.17
:
سفيتلانا رينجولد
, ,لمعلومات إضافية:
04-9115997بعد ما بعد الحداثة≠ اليوتوبيا
منذ الحداثة والمثالية الميتافيزيقية، مرورًا بنظرة الواقع المرير ما بعد الحداثويّة، يتميّز الفنّ المعاصر بعلامات العودة إلى رؤيا المستقبل. إنّ الانشغال بالرؤيا المستقبلية في عالم الفن المعاصر هو نقطة انطلاق سلسلة المعارض الحاليّة، التي تسعى إلى معاينة ظاهرة بعد ما بعد الحداثة، التي اكتسبت زخمًا في السنوات الأخيرة. يعكس هذا التوجّه تجربة الجيل للتغلّب على ما بعد الحداثة في أواخر القرن العشرين، كردّ فعلٍ على العصر الحالي المُتّسم بأزماته المتلاحقة.
"شبح يُطارد الفنّ المعاصر - شبح الحداثة"، هكذا كتب عام 2010 الكاتب والناقد بريان ديلون (Dillon). "نهاية الحداثة"، "نهاية الأيديولوجيا"، "نهاية التاريخ" – هذه هي المصطلحات القائمة في خطاب ما بعد الحداثة في أواخر القرن العشرين. في المقابل من ذلك، مثّلت الحداثة المزاج المتفائل الذي سعى مثل الأخلاقيات النبويّة إلى اليوتوبيا، وآمن بخيار الإصلاح الاجتماعيّ. إن العودة إلى رؤيا المستقبل مرتبطة بمناقشة مصطلح "توحيد الأزمنة"، كإحدى أبرز مزايا الفنّ المعاصر. وفقًا للفيلسوف بيتر أوسبورن (Osborne)، يتميّز الفنّ المعاصر بـ"أزمنة" مختلفة لكن متساوية من حيث كونها "الوقت الحاضر". الماضي والمستقبل يلتقيان بشكلٍ دائمٍ ويثبّتان نفسيهما بصريًّا باعتماد الواحد منهما على الآخر.
يرى بعض الباحثين أنّ عصرنا هو استمرارٌ مباشر لمأزق ما بعد الحداثة. يشير أمين المعارض والمنظّر بوريس جرويس (Groys) إلى أنّ الحداثة اتّسمتْ بقمع الحاضر من أجل تحقيق مستقبل أفضل، على سبيل المثال، في المفاهيم الطوباوية الطليعية. في المقابل، تتّسم "المعاصَرة" بالمماطلة والتأخير المستمرّ منذ سقوط الكتلة الشيوعيّة. ويرى باحثون آخرون أنّ المعاصَرة تعبّر بالذات عن استراحةٍ من ما بعد الحداثة والدعوة إلى الطليعيّة المجدّدة. الفنانون المعاصرون ينظرون إلى الوراء من أجل "عصرنة" الفكرة الحداثيّة وبناء رؤيا المستقبل خاصتهم.
من أين نبعتِ الحاجة إلى إنشاء صيغة جديدة لرؤيا المستقبل الحداثيّة للقرن الحادي والعشرين؟ يحاجج بريان ديلون، في أعقاب الكاتب والناقد رايموند ويليامز، بأنّ هذا الأمر جاء من أجل إعادة روح الحياة لراديكاليّة الماضي والرؤيا المجتمعاتيّة ومن أجل كسر الجمود غير التاريخي لما بعد الحداثة. ويرى أمين المعارض والباحث الفنيّ نيكولا بوريو (Bourriaud) أنّالحداثة هي بمثابة "إكسودس ثقافي"، هروب من القيود المفروضة على تنميط ثقافة الاستهلاك ومجتمع العموم المُغرَّب. الشامل نفور. ولهذا السبب، فإنّ على الفنّ أن يكون جزءًا من الحوار العالميّ المعاصر.
تُقسَم سلسلة المعارض الحاليّة إلى ثلاثة أجزاء أساسيّة، يتناول كل واحد منها بناء الحيّز المثاليّ- كمعقل للأمل في إحداث التغيير السياسيّ-الاجتماعيّ ولتطويره في الفنّ المعاصر.
في مركز الجزء الأوّل نجد مدينة القدس، باعتبارها الرمز النهائي للحيز الأبديّ للعالم، الذي تندمج فيه، في نهاية المطاف، كلّ الكينونات على شكل وحدة. الأعمال المعروضة في هذا القسم تعبر عن السبل التي يمكن فيها للانشغال بالمثالية الطوباوية للقدس أن يرتبط بالخطاب الثقافي المعاصر وبالرؤيا المستقبلية
الجزء الثاني يتتبّع العلاقة التي تربط بين الحداثة الإسرائيليّة في السبعينات، التي جمعت بين الانشغال بالحيز الميتافيزيقي وإمكانيّة إصلاح النظام العالميّ، وبين الفنّ المعاصر. العودة للانشغال بوظيفة الفنّان، كمعالج اجتماعيّ، ترتبط بالحاجة المجتمعية المتجدّدة في العالم الغربيّ وفي الخطاب الفنيّ.
الجزء الثالث يتقصّى الرؤيا المستقبليّة لترسيخ أنماط حياة جديدة في الفنّ الإسرائيليّ المعاصر. في هذا السياق، تتمّ معاينة المُثل المفقودة في الرؤيا الصهيونيّ، عالم الأساطير الخاص باليونان الكلاسيكيّة، "النظام العالمي الجديد" في فترة ما بعد الاستعمار، وكذلك طوباوية العالم التكنولوجيّ. تشكّل أنواع اليوتوبيا هذه المسألة المتشابكة لرؤيا المستقبل في الفنّ الإسرائيليّ في القرن الحادي والعشرين.