"شديد الصّخب وقريبٌ للغاية"
السبت, 23.07.16, 20:00
السبت, 21.01.17
:
سفيتلانا رينجولد
لمعلومات إضافية:
046030800"شديد الصّخب وقريبٌ للغاية"
بعد يوم من 11.9.2001 نُشِرت في الصحف العالمية صورة "سقوط الرّجل" لريتشارد درو، حيث كان رأسه إلى أسفل وهو يسقط من أحد برجي مركز التجارة العالمي. الصورة هي مقياس للحظة عابرة ولموضوع كامن فيها، وهو يتصل في تعقيده بلحظة الموت. وفي ما يتعلّق بذلك الحدث، فإنّ رواية "شديد الصّخب وقريبٌ للغاية" لجوناثان سافران فوير تحكي عن أوسكار الذي يبلغ من العمر تسع سنوات، والذي قُتل والده في هذا العمل العدائيّ. في دفتره سلسلة من الصور التي توثق شخصًا قفز من أحد البرجين. وفي النهاية، يقوم بقصّ الصور وبقلب ترتيبها، بحيث يبدو الرّجل مُحلقًا. أوسكار يصف: "عندما قلبتُ الصفحات، بدا ذلك كما لو أن الرجل محلقًا في السماء. وإذا كان لديّ المزيد من الصّور، لكان طار عبر النافذة عائدًا إلى داخل البناية، ولكان الدّخان سيعود إلى داخل الثقب الذي كانت الطائرة على وشك الخروج منه."*
في الخطاب الفنّيّ غالبًا ما يُنظر إلى "السقوط"على أنه أمر قائمٌ في حيّز وسطيّ بين الحركة والسكينة، بين السّماء والأرض. قد تصبح الأرض مفهومًا لا معنى له. إن الاهتمام بالحركة في الحيّز الوسطيّ نوقش في كتابات باحثين هولنديين، هما روبين فان دين أكير وتيموتاوس فرمولان. فوفقًا لهما، في العقد الثاني من هذا القرن، بعد ما بعد الحداثة، يعود التاريخ ويظهر من جديد المصطلح "بين بين" - وضع "ميتا-حديث" أزمويّ متواصل، حُكم فيه على الفنان المعاصر بالتأرجح بين الرغبة الحديثة بالاعتراف والريبة الما بعد حداثيّة بخصوص قيمة ذلك كلّه، بين الأمل والكآبة، بين التعاطف واللامبالاة، بين الطوباويّات والبراغماتيّة.
الأمثلة الأولى التي يجد فيها الباحثان براعم الوضع الجديد هي أعمال الفنان الآسيوي باسيان أدير من السبعينات، والتي تعرض صراع الحركة المتواصل والذي لا بدّ منه. في مقابل عمل إيف كلاين، القفزة إلى الفضاء (1960)، والذي يسترجع السقوط كتحية تقدير مستعينة بتكنولوجيا التحليق والإطلاق، فإن حالات السقوط المصوَّرة لدى أدير أشبه "برقصكوريغرافي محدود إلى الأرض"، تكون فيه حركة الجسم خاضعة لقوّة الجاذبيّة. حالات السقوط هذه هي وجودية في جوهرها، كتعبير عن الوضع الإنسانيّ الهشّ.
في عمل الفيديو المعروف لـ بيل فيولا، البركة العاكسة، (1979-1977)، يبرز الفنان من داخل غابة ويطلّ طويلاً على ضفّة البركة. في لحظة قفز يتجمّد جسمه في الهواء في وضعيّة جنين ويبقى عالقًا على المياه المتدفّقة، إلى أن يبدو انعكاس الفنان في المياه، لينتهي الأمر بخروجه من البركة ورجوعه إلى الغابة.
حدث عرض الصّور لـ كيريسكارباكايخلق من جديد نوعًا من ذاكرة مغلوطة. ففي الخدعة الديجيتاليّة يظهر التوتر بين الفعل والتوثيق. سكارباكا وثّق نفسه وهو يسترجع 30 حالة سقوط مختلفة من متحف شيكاغو للفنّ المعاصر عام 2005. الجمهور الذي شاهد الحدث رأى الأسلاك التي تُمسك به، بخلاف الشّكل الذي يظهر هو فيه أمامنا في عمله.
يتقصى بعض الأعمال في المعرض مفهوم الشيء وعكسه: القفز كعمل واعٍ في مقابل السقوط كنتيجة لمأساة.
في عمل الفيديو لـ ميكا روطنبيرغ تظهر شابة جميلة وحازمة، "تمشي" بجهدٍ كبير على يديها، في منظر مثلج مقلوب، وتبدو كما لو أنّها معلّقة من السماء وعليها سقف من الثلج – وهو وضع يستدعي مقاومة قوّة الجاذبية. في سلسلة غاليا غور-زئيفيظهر أولاد وقد علقوا بشكل مقلوب على سلالم لعب في بستان مئير- انعكاس خفّاشيّ يشير إلى بستان الألعاب كموقع تسري فيه قواعد تختلف عن قواعد العالم العقلانيّ. إنشائيّة الفيديو لدى ميخال حلفين بُنيتْ بالتعاون مع فرقة الرقص عنبال بينتو وأفشالوم بولك. التصوير بحركة بطيئة يوثق وجوه الراقصين في أثناء القفز، في مُحاولةللإمساك بلحظة متملّصة تراوح ما بين الشّعور بفقدان السّيطرة والتفاني.
* جوناثان سافران فوير،شديد الصّخب وقريبٌ للغاية، إصدار كنيرت، زمورا-بيتان، 2007، ترجمة إلى العبريّة: أساف غبرون، ص. 308.