تُعتبر الكاميرا في نظر النُقّاد كاداة في يد السلطة السيادية تستخدمها لأجل مراقبة الحدود وتحقيق
الأفضلية على الأعداء السياسيين وإدارة الأجهزة الحربية وجمع المعلومات عن المواطنين. ترتبط أساليب
المراقبة بالتطورات التكنولوجية في مجال التصوير - من التصوير الجوي التمهيدي إلى التصوير بالقمر
الصناعي. وفي القرن الواحد والعشرين فإن كاميرات الحراسة في زوايا الشوارع وفي الحوانيت وفي
البنايات العمومية تقوم بتوثيق كل خطوة من خطواتنا بهدوء. وأدوات الإنترنت تعتمد على تقنية القمر
الصناعي ولا تتيح لنا أن نفلت من عين الكاميرا التي ترى كل شيء.
وفقاً لوجهة نظر المفكر جيل ديلز، يتطور في عصرنا شكل جديد من أشكال المراقبة بواسطة أنواع مختلفة
من حُرّاس البوابات. أنظمة "مجتمع الإشراف" أو "مجتمع المراقبة" تعمل في مواقع الثقافة الشعبية، في
الفضاء العام، في التلفزيون وفي الإنترنت. فبرنامج Google Earth على سبيل المثال يتيح للمتصفح إلقاء
نظرة من الأعلى على كل بقعة على وجه الكرة الأرضية وهو أمر يمنحه الشعور بالقوة والسيطرة. وفي
أيامنا نجد الكاميرات منصوبة كالكمائن لاصطياد كل ما هو شاذ وجنائي ولالتقاط الأدلة البصرية وللقيام
بتطبيق سريع لممارسات الانضباط والعقاب.
برامج الواقع )رياليتي( في التلفزيون والتي تحاكي هي أيضاً واقع المراقبة، تعتمد على استخدام أكثر
تطرفاً للكاميرات التي تغطي المنطقة وتوثّق كل لحظة. ومن حولنا تنشأ حميمية من نوع جديد، حميمية
مبنية على التوتر والشك والسّر؛ وعلى الشهوة الجنسية القائمة بين الصيّاد والطريدة. هذه الحميمية
الجديدة لا تحارب واقع المُراقبة، إنما تتغذى منه. فكاميرات الرصد المزروعة في المواقع المقدسة للمجتمع،
بداية من المطارات وانتهاءً بأكشاك البيع المنتشرة في الشوارع، صارت هي اللاعب المركزي الذي يحدد
العلاقات العاطفية في مجتمعنا الذي بات خالياً من الأسرار.
هناك العديد من الفنّانين من حول العالم، وبعضهم يشارك في المعرض، يعاينون وجود الكاميرات الثابتة
والمُتتبعة والخفّية والمكشوفة - كاميرات تُنتج معلومات يتم تقنيتها وتشبيكها وتطويعها. وفي ظل هذا
الواقع يسعى الفنّانون إلى تسليط الضوء على التغييرات التي طرأت على النظرة ذاتها: من نظرة أفقية
ومُصَنِّفة، تحاول تنظيم المعلومات القائمة إلى نظرة جامعة تلف كل شيء وتعكس تمدُّد حدود المعلومات،
بل وتنم عن شعور بفيضان المعلومات. وخلافاً للنظرة الأُحادية للكاميرا المُهيمنة فإن تعدد زوايا النظر يتميز
بخاصية ثورية قد تُجسد الإمكانيات التي ينطوي عليها. ومن جهة ثانية فإن التعدُّد كما هو في تطبيق
Google Earth يتماسك ليبدو كطريقة وهمية يمكن التجول فيها دون القدرة على اختيار زاوية تصوير معينة
أو توجيه "الكاميرا" بطريقة مستقلة.
الأعمال الفنية في المعرض تعكس الوعي تجاه النظرة التي تخلقها كاميرا المتابعة في مجتمع المراقبة
الجديد وتُبرز الانفجار الكبير )بداية تخلُّق( لنظام الرؤية الذي نعيش ونعمل في ظله. هذه الحقيقة الملموسة
الجديدة، حيث تخلق المتابعة انقطاع بين المُشاهِد والمرئي تعمل إلى حد كبيرة على بلورة "ذاتنا" في
الثقافة العصرية.