"نحن اللاجئون"*
اللجوء والهجرة وقطع البحر البيض سراً من الجنوب إلى الشمال - جميعها باتت من المواضيع التي ينشغل بها حالياً فنانون ونُقاد وأمناء معارض الفن. لقد تحولت قوارب الهجرة الصغيرة بكلمات باحثة الفنون جينيفر غونزاليس ((González إلى "رمز ايقوني واستعارة مركزية للهجرة الأفريقية". الأعمال التي تتناول مخاطر الرحلة من "الجنوب العالمي" إلى غرب أوروبا عن طريق البر والبحر غالباً ما تعتمد الأسلوب الوثائقي بهدف تحويل الهجرة السرية إلى هجرة مرئية.
لقد تكوّن انشغال الفنانون المعاصرون بمسألة اللجوء على خلفية الاعتراف بان حركة اللاجئين والمهاجرين في العديد من الحالات هي عمل ثوري. وبرغم أن اللاجئين والمهاجرين يتركون بيوتهم بحكم ظروف تُفرض عليهم، غير أن هذا الأمر لا يدل بالضرورة على خمولهم السياسي. فالأعمال التي تتناول هذه المسألة تشدد فكرة أن مسألة الهجرة في أيامنا هي واحدة من أهم الطرق التي يستطيع الأشخاص والمجتمعات من خلالها تغيير ظروف معيشتهم.
شخصية اللاجئ تتحدى الهوية القومية-الليبرالية التقليدية التي تعتبر الجماعة القومية مصدراً للتعريف الذاتي للإنسان. فالمهاجرون واللاجئون والمُبعدون والمغتربون والمهاجرون للبحث عن عمل يلعبون دوراً رئيسياً في صياغة الواقع ما بعد القومي، الساعي إلى تفيك كُتل الهويات الكبرى. وبالنسبة للعديد من الفنانين فإن شخصية اللاجئ هي رمز مقاومة يتحدى مفردات الخطاب السياسي الأساسية – حقوق الإنسان، حقوق المواطن، الشعب السيادي والعامل وغيرها. يُضطر اللاجئ للصدام مع الجهاز المُنظم للقانون والدولة، ويشمل الشرطة والبيروقراطية والمراقبة وتطبيق القانون و"الإرهاب الإداري". وشخصيته تتيح إعادة بناء الفلسفة السياسية المؤسسة على مبدأ الترحال.
وفي البلاد تتحدى ثورة اللاجئين المفهوم الديمغرافي لإسرائيل كدولة يهودية. الفنانون الإسرائيليون المعاصرون الذين يتعاملون مع هذه المسالة يشددون على القوة التي تنطوي عليها ثورة اللاجئين ومقدرتها على مقاومة هذا المنطق الديمغرافي، بل والمساهمة في بلورة فهم تعددي للمجتمع الإسرائيلي بصفته مجتمع متعدد الثقافات والأطياف.
أعمال الفنانين المعاصرين المعروضة في المعرض، من أمثال يوفال يائيري، أساف كليجر، أورن زيڨ، تاليا هوفمان وغيرهم، تتحدى الخطاب العصراني للفن الإسرائيلي، حيث تجنب هذا الخطاب التطرق إلى حالة اللجوء والهجرة. وفي مفردات الخطاب الصهيوني يُعتبر من يقدمون إلى إسرائيل بأنهم لم يكونوا "لاجئين"، إنما "قادمين جُدد" أو "صاعدين" يحملون معهم إمكانية التجدُد. والفرق بين المهاجرين وبين القادمين والصاعدين تقتصر على إبراز الميزة التاريخية الصهيونية التي لا مثيل لها في تاريخ الشعوب، والتمحور في "الرغبة لتكوين شعب". هناك قلة قليلة فقط من الفنانين الإسرائيليين الذي تعاملوا مع مسألة اللاجئين والمهاجرين، ومن جملتهم ميرون سيما ويعقوف شتانهاردت ونفتالي بيزم، وأعمالهم أيضاً معروضة في المعرض.
تتناول أعمال الفنانين الإسرائيليين المعاصرين تجربة المهاجرين الشخصية وتأثيرها على الحياة المجتمعية في البلاد. وشخصية المهاجر في أعمالهم، المهاجر "عديم الحق بالحصول على الحقوق" (بكلمات حنا أرندت) تُبرز غياب فضاء مستقل داخل الترتيب السياسي لدولة القومية الإسرائيلية – ذلك الفضاء المستقل الذي لا يخضع بإذعان كامل لنظام رصد ومتابعة بيومتري ويعتمد على فكرة الملجأ الاسترشادية (باللاتينية: refugium) بالنسبة للفرد بدل فكرة قانون (باللاتينية: ius) المواطن؛ فضاء غير جغرافي أو خارج حدود الجغرافيا لا يخضع لأي مقاطعة جغرافية قومية متجانسة.
* اسم المعرض مستوحى من اسم مقال حنا أرندت الشهير من عام 1943 "نحن اللاجئون".