الاحتجاج النسوي: تخفي
يتمحور هذا المعرض حول فكرة الغفلية (إخفاء الهويّة) بصفتها مكوّن جوهري في عقول النساء الناشطات المعاصرات. وهي فكرة مخالفة للوعي الحميم والشخصي لشخصية المرأة.
في كتابها الذي يحمل عنوان "حياة هشّة" (2004) تقوم الكاتبة جوديت باتلر بتحليل تصاوير لضحايا في الإعلام. رواية الضحية تبدأ دائماً من منظور ضمير المتكلم. وينشأ التعاطف معها من خلال التعرف إلى علاقاتها الأسرية وتربيتها وأسلوب حياتها. وهكذا تمر الضحية بعملية أنسنة تعزز تعاطف الجمهور معها عاطفياً. وبالمقابل فإن القناع مجهول الهوية يخفي وجه الضحية ويوحي بعدم القدرة على استخدام عبارة "أنا" والتعاطف مع فرد معين. وفي حالة مجموعة النساء الناشطات "بوسي رايوت" (Pussy Riot) من روسيا، فإننا لا نرغب برؤية الوجوه خلف الأقنعة، إنما نرغب أن نفهم ما هي الرسالة التي ينقلنها. ولعل تلك النساء يجعلننا نتساءل عما بوسع النساء تحقيقه معاً ولصالح من وما الذي يناضلن لأجله – حقوق الإنسان، إسقاط الطغيان أم عالم جديد لنا جميعاً؟
إن فكرة القناع أو كساء الوجه مغزولة في مختلف الأعمال المعروضة في هذا المعرض. كثير منها تتعامل مع الحجاب والنقاب بصفتهما عنصران مُخفيان ومُسكتان ومسوّيان، يحجبان حضور وصوت وهوية المرأة التي ترتديهما. فحين يكون الوجه ملفوفاً بمنديل او حجاب، فإنه يتحول إلى شكل ترسيمي معدوم التفاصيل - وجه كل امرأة. اما المرأة ذاتها وتعابير وجهها فإنها غائبة. إنها تختفي من الحكاية شيئاً فشيئاً.
وكساء الوجه الذي يُستخدم لأسباب مختلفة يقوم بتفكيك الروايات المألوفة ويخلق خليطاً مُسكِراً من الشخصيات النسائية. الجنوسية والدين والأبوية والتكبر والهوى والتمرد والحس الميلودرامي - جميع هذه المركبات ترتبط الواحد بالآخر بواسطة القناع لتخلق مفهوماً يخرج عن نطاق الاسم الشخصي لامرأة معينة.
الاحتجاج النسوي: تكشف
إن ظاهرة الاحتجاج النسوي الأدائي العالمية المعاصرة هي جزء من ثقافة فرعية لإعلام محارب وفن محارب. المثال البارز للاحتجاج النسوي الأدائي هو احتجاج مجموعة "بوسي رايوت" (Pussy Riot) الروسية. إن اعتقالهن واعتقال ناشطين آخرين قد جسّد للجماهير العالمية طيف لماضي الاتحاد السوفييتي المُظلم ان يعود ويعكر أجواء الواقع الراهن.
كثير من الأعمال المعروضة في هذا المعرض تتمحور في قابلية المرأة للتعرض للأذى حين تمارس النشاط الاحتجاجي وتُبرز مركزية الاحتجاج الجسدي في أيامنا. الاحتجاج الجسدي يستخدم جسد المرأة لتحدي القيود الجندرية ولدفع الإصلاحات الدستورية المرتبطة بالنساء. وفي هذه الحالة فإن الجسد سواء كان مكسواً أم عارياً يتحول إلى أداة احتجاج أولية ومركزية. جذور هذه الظاهرة راسخة في تاريخ الاحتجاجات السياسية التي ارتبطت تقليدياً باستخدام الجسد-في المسيرات والمظاهرات أو في تكبيل الجسد كعمل احتجاجي. وقد لعب الجسد دور الرمز والنص الذي يحمل دلالات سياسية. استخدم الاحتجاج بالعري في سياقات متنوعة كاستراتيجية لخلق التغيير الاجتماعي. وفي سياق الاحتجاج النسوي فإن العري كعمل احتجاجي يرتبط مباشرة باضطهاد المرأة في السياق الجنسي. وحيث نجد أن العُرف في معظم المجتمعات يفرض استخدام الملابس في الأماكن العامة، فإن العري يُستخدم كطريقة ناجعة للفت الأنظار نحو المشاكل الاجتماعية ويدل على جاهزية المتظاهرات للمجازفة بأنفسهن لأجل تحقيق أهداف سياسية.
تصف الأعمال المعروضة نساء محاربات وثائرات-من العالم الواقعي ومن الثقافة الشعبية في عصرنا. ويبرز فيها التوتر بين القوة والعنف وبين الرقة والعاطفة الجامحة كما يتجسد في اللفتات الاحتجاجية وغير النمطية للاحتجاجات النسوية العالمية المعاصرة. تكشف هذه الأعمال مسألة الجدلية بين القوة والقابلية للتعرض للأذى وبين المقاومة والخطر. وتأتي هذه الأعمال لتُبرز بأن بمقدور مذهب الفاعلية والفن الثوري أن يصمدا فقط إذا كان لهما حضور مرئي في الفضاء العام. وبمقدور الصورة الفاضحة أن تُبقي مفعول العمل النسائي الفاعل المعاصر لزمن طويل.