مجمّع مركّز من الحوانيت، المقاهي وأماكن السهر والترفيه تحت سقف واحد، في بناية مغلقة تميّز نفسها عن المدينة ونسيج حياتها العضوي. مدينة اصطناعية مصغّرة مليئة بالـ"جادات"، "الساحات"، "الشوارع"، "الجسور" و"الزوايا الجميلة". المعبد الأمثل لثقافة الاستهلاك. دفيئة للرغبات والمال. المجمع التجاري هو حيّز عام يجذب إلى داخله قسما من وظائف مركز المدينة.
لكل جيل هنالك معبد – معلم يصبح رمزا لروح الفترة. للمشاريع المدنية تأثير مباشر على أنماط السلوك وعلى طرق التفكير. المجمعات التجارية، كمعالم الحضارة في عصرنا، هي حلبة للتفسير والتداخل الفني بالنسبة للفنانين المعاصرين الذين يعرضون أعمالهم ضمن هذا المعرض. يهدف المعرض إلى تفسير شخصية المجمع التجاري، الـ Shopping Mall, كما تظهر من خلال الحوار الفني المعاصر فيما يتعلق بالفرضيات الحضارية وموازين القوى الكامنة فيه.
فكرة المجمع التجاري بسيطة: سلسلة من الحوانيت الرائدة، التي كانت في السابق منتشرة في مختلف أنحاء المدينة، مركزة الآن تحت سقف واحد. يتم توجيه الجهود بصورة مباشرة إلى جيب المستهلك، الذي يجد "كل شيء" في مكان واحد. تشدد الأعمال في هذا المعرض على شعور المشهدية الكامن في ازدهار المجمع التجاري اليوم، كحيز اصطناعي محمي، مسطح ومعزول، ينكر التاريخ، التآكل والموت – حيز يتم الاحتفال فيه بنرجسية المجتمع الاستعراضي.
يكثر الفنانون من إضافتهم للمجمعات التجارية الهوية التي تستقي من نموذج البانوبتيكون الذي ابتدعه الفيلسوف ميشيل فوكو – وهو المكان الذي يتواجد كل شيء فيه تحت مراقبة ومشاهدة دائمتين. من جهة، يشددون على منطق المجمعات التجارية الشبيه بالآلة، الذي يلعب دور ضمان أكبر قدر من السيولة المالية من خلال تدفق دوري من البضائع والرغبات الإنسانية. ومن الجهة الأخرى، يلفت الفنانون الانتباه إلى الهوامش الاجتماعية التي تنكرها ثقافة المجمعات التجارية. تهدف شخصية الشحاذ التي تسكن الكثير من الأعمال لأن تخرج من الظلمة، هؤلاء الممنوعين من الدخول إلى نور المجمع التجاري المشرق والمعزول.
نظرة خاطفة إلى أي مجمع تجاري متوسط تذكرنا بالتصميم المعماري الخاص بالهياكل المقدسة أو الكنائس – واجهات فخمة على أعمدة يونانية وقناطر، أو أنصاف قباب شبيهة بالمحراب، حيث تلتقي كافة الممرات. يتم استبدال الأيقونات بصور المشاهير، في حين يتم استبدال الكتب والمستلزمات المقدسة بالمنتجات الاستهلاكية. تسجد الجماهير للـ "آلهة" الجديدة: النجوم والمشاهير الذين يمثلون الماركات التجارية. يشدد الفنانون الذين يعرضون أعمالهم على خطوط التشابه بين تجربة التجوال بين رفوف الحانوت المغرية وبين تجربة التجول في المتاحف. الثروة الحقيقية والرمزية التي تم استثمارها في بناء المجمع التجاري، وكذلك في بناء المتحف، تبرز وجود فخامة بكلا المؤسستين. في كلا الحالتين، يحظى الوهم الاستهلاكي بهالة "روحانية"، ترفعه – على ما يبدو – فوق المادية التلاعبية الكامنة في المنطق التجاري. تبدو الأعمال المعروضة في المعرض كما لو أنها تعكس واقعا استهلاكيا كاملا، أحادي الأبعاد، يبتلع في داخله كل المنظومة السياسية، الاجتماعية والفنية