في هذا المعرض يمتد خيط طويل ذو ثمانية آلاف سنة – بداية من تماثيل مُشخصات طينية صغيرة من عصور ما قبل التاريخ تم العثور عليها خلال التنقيب عن الآثار في هضبة الجولان مروراً بتصاوير نسوية على غرار أوراق التاروت منذ العصور الوسطى وانتهاء بأعمال أربع فنّانات اسرائيليات معاصرات. والعمل الفني الذي تقدمه الفنانات اللاتي ينتمين إلى أجيال مختلفة يعرض في سياقات متعددة تماثيل مُشخصات النساء وأسطورة الأبدية للإلاهة الكبيرة- "الإلاهة الأم".
على ضفاف نهر اليرموك قرب كيبوتس شاعار هجولان تم اكتشاف قرية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل ثمانية آلاف سنة. تم العثور في تلك القرية على أكبر مجموعة من التحف الفنية من عصر ما قبل التاريخ في البلاد، ويكتسب هذا الموقع أهمية عالمية. والتحف التي تم العثور عليها في هذا الموقع تتميز بنوعية نحتها وبمستوى تصميمها (تُعرض تماثيل مُشخصات من الموقع في متحف المتروبولين في نيو يورك وفي متحف اللوفر في باريس وفي متحف إسرائيل). في داخل البيوت التي تم اكتشافها تم العثور على ما يقارب ثلاثمائة تمثال صغير لنساء كان محيط اوراكها أكبر بأربع أضعاف من مقاسات أجسامهن. وجميع التماثيل مصممة بوضعية شبيهة: يد واحدة على الصدر واليد الأخرى على الحوض العريض. وهذه التماثيل التي يناسب حجمها كفة اليد غنية بالتفاصيل ومزخرفة بطريقة عجيبة مع إبراز الأعضاء المرتبطة بالولادة والأمومة.
هناك من يعتقد بأن تماثيل المرأة الصغيرة في فن ما قبل التاريخ ليست سوى نموذج مصغر "للإلاهة الأم" أو "الأم الكبيرة". تلك الإلاهة القديمة التي كانت طقوس عبادتها شائعة في أنحاء أوروبا والشرق القديم، كانت ترمز إلى خصوبة وتكاثر الإنسان والحيوان والنبات. أنصار هذه الفكرة يعتقدون أنه كانت في عصر ما قبل التاريخ فترة ألوهية نسائية وأمومية. وبتقديرهم فإن التماثيل الصغيرة المصنوعة من الطين كانت تُستخدم لطقوس الخصوبة. وبحسب هذه الفكرة فقد كانت تٌعتبر القدرة على الحمل والإنجاب كقدرة غامضة ومقدسة وكانت كل امرأة هي تجسيد للإلاهة الأم الكبيرة.
ما هي ميزة الألوهية النسائية؟ وكيف يختلف المجتمع الأمومي عن المجتمع الأبوي؟ ماريا غيمبوتاس، عالمة آثار وباحثة في الفولكلور النسوي، تعتقد ان ثقافة الإلاهة الأمومية قد وضعت المرأة في المركز وتميزت بمبادئ السلام واحترام النساء والمساواة الاقتصادية. تناولت في أبحاثها قرى كبيرة كان يعيش فيها ما يقارب سبعة عشر ألف شخص وتم العثور في بيوتهم على تماثيل صغيرة لنساء. أثناء حفريات التنقيب في تلك القرى تبين أن أحجام البيوت كانت متساوية ولم تكن فيها أسوار وأسلحة. هذا ما أدى إلى الاستنتاج بان ثقافة النساء القديمة كانت ثقافة سلام. وعلى حد تعبير غيمبوتاس فإن الثقافة الرجولية الأبوية التي تطورت في العصر البرونزي الهند- أوروبي هي التي أوجدت انعدام المساواة.
في هذه الأيام وكجزء من معالم "العصر الجديد"، يزداد الحنين للعودة إلى الألوهية النسائية. حيث تُعتبر رحيمة، محتوية، دافئة، مرضعة ومغذية وتعمل بوتائر الحياة الطبيعية من إزهار وذبول ونمو من جديد. إنها ألوهية تمنح الرقة ولا تركز على التهديد والعقاب والسيطرة. كثيرات من نساء الحركة النسوية يتبنين أسطورة العصر الأمومي ويعتبرن طقوس الألوهية النسوية رداً لائقاً على آلاف سنين من الأبوية اليهودية والمسيحية والإسلامية التي سلبت النساء حق المشاركة الدينية المتساوية أو القيادة الفكرية الحقيقية.