جيل يافمان: تعاونات
يتحدى جيل يافمان في أعماله متعددة المجالات التعريفات الطبيعية المألوفة للآخر والمختلف وينظر كيف تتكون الهوية البنيوية بفعل الفاجعات الشخصية والجماعية. ويعمل الفنان على تجسيد هذه الفكرة من خلال تحويل أساطير ومصادر مختلفة وخلق عوالم عجيبة يظهر فيها أبطال حضارات مغايرين ذوي هويات مُحيّرة. يستخدم يافمان وسائط متنوعة لدراسة الإمكانيات الكامنة في الخارج عن المألوف ولطرق مواضيع تُعتبر محّرمات (طابو) في المجتمع الإسرائيلي مثل الكارثة (الهولوكوست) والبورنوغرافيا والموت. وأعماله التي تجسد انشغاله بهويته الجندرية المميزة تتحدى الأعراف الاجتماعية. بل ويقوم أحياناً بتشويش معالم هويته الشخصية من خلال تعاونات مختلفة - على غرار المشروعين اللذان تم إنجازهما بالتعاون مع مجموعة "كوتشينتا" ومع الفنان دوف أور نير.
أسست مجموعة "كوتشينتا" (غزل النسيج المحبوك - باللغة التغرينية) نساء أفريقيات ممن تم سجنهم كرهائن وتعرضن للتنكيل الشديد أثناء محاولاتهن الهرب من بلادهن، وعند وصولهن إلى إسرائيل تعرضن للتمييز. ويشتغلن بغزل السلال التقليدية وبيعها لكسب رزقهن ولمحو آثار الفاجعة التي ألمت بهن. ما يجمع يافمان مع نساء المجموعة هو حب الغزل وكذلك الحياة المشتركة في جنوب تل أبيب. يدمج الفنان في عمله أشغال يدوية تقليدية، وخاصة الغزل، ويعبر من خلالها عن انشغاله بالصدمات والفواجع. وعلى نحو مشابه يقدم المشروع للنساء فرصة للتعبير عن حكاياتهن المؤلمة من خلال عمل الغزل. يتمحور محتوى المشروع في ذكريات النساء من بلاد الموطن مقابل الهوية الحالية وفي التعاطي مع الواقع الإسرائيلي المركب. هذا الشغل اليدوي المبني على التكرار يدعم هذا التعاطي الوجودي.
وفي سياق مشروع تعاوني آخر قام يافمان مع الفنّان المخضرم دوف أور نر بإنجاز مشروع يعتمد على فيلم فيديو مصور. يلعب أور نر في الفيلم دور هتلر أما يافمان فيلعب دور بينلوبه، وهي امرأة سوداء تعتمر قبعة مغزولة كسن الذهب وتبدو على شكل عضو تناسلي أنثوي. ويتجولان معاً يداً بيد كالأشباح بين مواقع في كيبوتس يد مردخاي: نصب تذكاري لمردخاي أنيليفيتش، روضات أطفال متجانسة، متحف الكارثة والنهضة والمقبرة العسكرية وغيرها. أور نر هو من نجاة الكارثة وقضى والديه في معسكر أوشفيتس، حيث قام بإعادة تصميم شخصيته وابتكر "فود نروا" – وهي أحرف أسمه مقلوبة. ومن خلال هذه الشخصية حول نفسه وحول هتلر إلى أبطال دراما إباحية – سوريالية تعبر عن حالة محتملة تقشعر لها الأبدان، حيث تظهر الضحية بهيئة الجلاد. وتُكمل العرض صور وقطع ملبوسات تظهر في الفيلم. يافمان الفنان الشاب يخلق تتابعاً دلالياً لعمل أور نر الثوري على مر السنين.
ومن خلال الدمج بين المشروعين يشدد يافمان على أهمية حركة اللاجئين الحالية بصفتها ظاهرة تعمل على تفكيك المقومات الحصرية لأسطورة الكارثة (الهولوكوست) والنهضة في الواقع الإسرائيلي. اللاجئة الأفريقية تمثل وعي تاريخي جديد، حيث تُسنح لنا من خلال شخصيتها إطلالة على المستقبل فيما بعد دولة القومية والإقصاء التدمير لغير المواطنين، وخاصة إذا كنّ من النساء.
طرح الفيلسوف جورج أغامبين (Agamben) فكرة مفادها أنه فقط "في عالم يتعلم فيه المواطن أن اللاجئ عملياً هو ذاته يمكن التفكير في البقاء السياسي للبشرية". إنه اعتراف تحريري يمحو الفصل بين المواطن واللاجئ، ذلك لأن الأنا دائماً مهجر جوهرياً. وخلافاً لنظام الفصل الاجتماعي والسياسي، يسعى يافمان إلى خلق "منظومة علاقات خارجية متبادلة". وبهذه الطريقة تندمج معاً أعمال وعوالم يافمان وأور نر ومجموعة كوتشينتا فيما هو أبعد من الحدود المألوفة لتكوين واقع جديد معاصر وعالمي.