بدأ تاريخ الفن كأرشيف للموت، من خلال مجرد إنشاء مباني المدافن، الأهرامات والمتاحف. حتى الفن المعاصر المخصص لموضوع الاستهلاك الجماهيري، يكثر من التجميع والتخزين في أرشيفه، أشياء يبدو للوهلة الأولى أنه يجب استبعاد اقتنائها، أشياء يجب إبادتها أو رميها في القمامة. في هذا السياق، يعرّف الباحث في مجال الفن، بوريس غرويس، أكثر أشكال الاستهلاك تتابعية على أنه إبادة جماعية – استخدام نهائي لكافة الأشياء. بحسب وجهة نظره، الفن يستهلك الموت: يستهلك الاستهلاك وبموازاة ذلك يضع الاستهلاك جانبا.
في الحقل الفني، هنالك نقاش موسّع حول وظيفة المتاحف التقليدية، ومن خلاله يتم طرح السؤال: ما هي الأعمال الرائعة التي تستحق أن تسكن قاعة المتحف؟ يعتمد هذا النقاش، كفرضية أساسية، على إدراك أن المتاحف هي الهيكل المقدس بالنسبة للكنوز الروحانية، العلم والخيال الإنساني. المتحف هو بيت الكنز (Treasure). عكس المتحف هو الـ Trash، السقط الذي لا يستحق العرض. ينشط المتحف، تقليديا، على المحور بين "ما يستحق الدخول" وبين "كل البقية" – الأشياء التي لا تلائم العرض المتحفي.
يشكل السقط (النفايات) دالة مركزية في الأعمال المعروضة ضمن هذا المعرض، عَرَضاً جانبيا من أعراض المجتمع الاستهلاكي والوفرة. يتابع الفنانون تقليد استخدام الفن للنفايات على نطاق واسع، على اعتبار أن المجتمع الاستهلاكي هو أكبر منتج للنفايات في أيامنا. تنتج النفايات عندما تلفظ منظومة كاملة من داخلها الأسس "غير اللائقة". من الممكن أن تكون هذه الأسس هي المخلفات المنزلية (garbage)، أو البشر الذين يسمون حثالة (trash)، من أجل الإشارة إلى رفضهم ولفظهم بالكامل من المنظومة. إنه موجود كمصطلح وككيان يشكل تهديدا بالنسبة لنظم المعلومات والاتصال ("البريد المزعج").
يدرك الفنانون الذين يعرضون أعمالهم، أن السقط/ النفايات عنصر أفولي ومضاد للإنتاجية، يهدد منظومة الإنتاج الرأسمالية. إنها حرب شعواء على النفايات، تدوي فيها مقاومة شديدة للعناصر الغريبة والخارجة عن السيطرة التي ترمز للاقتراب من الموت. يتم رفض الموت باسم التفاؤلية الإنتاجية التنكنولوجية التي تعبر عنها الثقافة السائدة. مثال واضح على التعامل الرأسمالي من هذا النوع، هو النظافة الواضحة التي تسود المجمعات التجارية أو المطار بصورة دائمة – نظافة وظيفتها أن تثير الشعور بالهدوء والسيطرة العقلانية.
تسعى الأعمال المعروضة في المعرض إلى التشديد على أن السقط هو أحد العناصر المركزية في الثقافة الآنية، سواء في السياق اليومي أو في السياق النظري الساعي إلى التقويض. نحن نتحدث عن الجانك فود (حثالة الطعام) عن garbage time (الوقت السقط/ الهامشي، الذي لا يحصل فيه أي شيء دراماتيكي خلال المباريات الرياضية) أو عن white trash (كناية عن البيض الفقراء الذين على هامش المجتمع الأمريكي). يهدف مصطلح "ثقافة السقط" (trash culture) للإشارة إلى النمط الإدراكي الذي يرى في السقط/ النفايات عرضا جانبيا للمجتمع الرأسمالي المنشغل في الإنتاج المكثف للطعام، للمنتجات والأفكار. كلما كان الإنتاج أغزر، تكون النفايات أغزر. في الفن المعاصر، أصبحت كلمة "نفايات" مصطلحا للتعريف بالحالة الثقافية ولتوجيه بعض قنوات الحوار الدائرة داخله.