يسلط هذا معرض الضوء على تعليقات الفنانين المعاصرين على مسائل تتعلق بالدين والعقيدة في الواقع العالمي الراهن الذي تهيمن عليه ثقافة الاستهلاك. في العقود الأخيرة شهدت العديد من الثقافات والأماكن في أنحاء العالم صحوة دينية مفاجئة. ويقول لمنظر بوريس غرويس إن العودة إلى الدين في العالم الذي سئم الأيديولوجيات العلمانية الكبيرة تلبي تعطش البشر إلى وجود مغزى لحياتهم. والديانات المعروفة اليوم تقدم نفسها كشفاء من أمراض العالم العصري والخواء الذي بات من سمات عصر الفردانية المفرطة والرأسمالية الكاسرة. وينبع نجاح الأديان من قدرتها على الدمج بين طقوس العبادة الدينية واستخدام الوسائل التكنولوجية التي توفر إمكانيات لا متناهية من نشر وتوزيع.
على الرغم من تعاظم مكانة الديانات المختلفة، غير أنها تجد نفسها مضطرة للتعاطي مع تأثيرات العولمة على المؤمنين. إن ثقافة الاستهلاك تفرض على الناس إيلاء أهمية سطحية بالمواد والتقنيات الدينية من خلال تجاهل مغزى الدين الفلسفي والمبدئي. وهذه النزعة لاختزال الديانة وتحويلها من منظومة عقائد ومبادئ وشعارات إلى سلع استهلاكية تنعكس في المعرض من خلال أعمال الفنانين عيدو أبرامسون، استر نائور وبريان أولريخ. أما الفنانين غابي بن أفراهام وتوني ليئونه فإنهم يزيحون تركيزهم التصويري من السلعة إلى مُشتريها ويجسّدون الأهمية البالغة لعملية الشراء في بلورة هوية معظم بني البشر في العالم الغربي.
أن العلاقة بين الدين والاستهلاك لا تقتصر على البضائع والسلع، حيث تتسم الاستهلاكية ذاتها بخصائص دينية. ففي أواخر القرن التاسع عشر نصَّب الأديب أميل زولا الاستهلاك لوظيفة الدين الجديد الذي استبدل طقوس العبادة الدينية بطقوس الشراء في المجمعات التجارية التي حلت محل الكنائس. وفي سياق عصرنا الحالي يستخدم الفنانون الذين يعرضون أعمالهم في المعرض شعارات دينية في نقدهم لسيطرة ثقافة الاستهلاك على حياتنا عامة وعلى المجال الديني بشكل خاص. كما وينتقد الفنانون استخدام الأديان للاستهلاك لكي تزدهر في الواقع المعاصر.
تصويرة يسوع المصلوب تلعب دور عنصر تقويضي في أعمال ياني لينونن وماغنوس يوان ونيك ستيرن، حيث يسعى هؤلاء الفنانون إلى استنهاض الفكر تجاه التعاون القائم بين المنظومات الدينية والمنظومات الاستهلاكية. وفي السياق المحلي تسعى أريان ليتمان إلى تقويض الشعارات الدينية والرسمية المستخدمة في استراتجيات تسويقية بهدف انتقاد ثقافة الاتجار بالبلاد المقدسة. فانيا هيمان وثنائي الفنانين بول وماريانيلا يعتمدون الأسلوب الفكاهي ويخلطون ما بين أيقونات وشعائر دينية وبين الصفات البارزة لثقافة الاستهلاك.
في الواقع الذي تسعى فيه العولمة إلى إنتاج ثقافة موحدة، فإن الديانة تمنح أتباعها وهم العودة إلى الأصل وإلى التقاليد المميزة والمحلية. نزعة العودة إلى الدين تنعكس في أعمال كرم ناطور التي تتناول قوة الآلهة من النساء اللاتي يعود أصلهن إلى التقاليد القديمة. أما تصويرات أندي أرنوفيتس فإنها توثيق للحظات تفكير حميمي بالخالق وتعبر عن الانجذاب الشخصي والجماعي إلى الدين. أما الإنشائية الذي يعرضها ألودي ابرجيل تربط ما بين شهوة الجماعية للإنسانية منذ عهد بعيد للتقرب إلى الله وبين سلع الاستهلاك التي تجسد الروحانية في العالم المادي.