على كل مسألة معروضة في الصحافة وفي الإعلام على اختلاف أنواعه – المطبوع، المبثوث والإلكتروني – تُعرض امامنا معلومات مشوشة. إنها معلومات مُنقية ومُموَلة يتم اختيارها وتحريرها بدقة متناهية قبل أن تدخل إلى حياتنا وتفرض علينا. الفنانون الذي يعرضون أعمالهم هنا يحاولون أن يكشفوا لنا مرة تلو المرة تلك السياقات والظروف التي يتم في ظلها تنظيم الأخبار والمعلومات وعرضها علينا. إنهم يختبرون منظومة القوى الاجتماعية- السياسية، التكنولوجية والاقتصادية التي تحرك صناعة الصحافة.
استخدم الفن السياسي الطليعي في القرن العشرين الإعلام للدفع نحو التغيير الاجتماعي وآمن بقوة الموقف الناقد وقدرته على شق الطريق للثورة والتقدم وخلق واقع جديد (أمثال مرينتي الذي اختار نشر بيانه الاستشرافي المستقبلي لأول مرة في صحيفة في عام 1909).
يعرض امامنا الفنانون المشاركون في المعرض لحظة واقع مرير مستمرة لا حقيقة فيها ولم تحدث أبداً ونحن نرتكب خطئاً أصلاً في رغبتنا للبحث عنها. عملياً، كما زعم الفيلسوف يوفال نوح هراري إن براعم وضع "ما بعد الحقيقة" كانت موجودة منذ فجر الإنسانية. كل ما بوسعنا عمله هو ليس سوى أن نكون واعين لهذا الأمر وان نكشف القوى السياسية والاقتصادية من وراء هذا القناع الزائف للمعلومات والطريقة التي تعمل من خلالها تلك القوى للتأثير على الوعي الجماعي والذاكرة الجماعية. يعبر الفنّانون عن هذا الأمر من خلال تحويل الوسائل التكنولوجية (مثل الطباعة والتصوير) لخلق تلك الحقائق ضد ذاتها. كما ويخلقون حقائق ميزتها العمل اليدوي بخلاف الفورية والسرعة التي تُميز وسائل الشاشة الديجيتالية.
هذه الوسائل تنعكس مثلاً في أعمال كارل هيندل، حيث تُجسّد طرائق عمل محركات البحث والمناورات الإخبارية من خلال الانشغال بتصاوير آنية مأخوذة مباشرة من مقالات غلاف وصفحات دعايات؛ وفي أعمال تسيلا حاسين وكرمل بارنيع بريزنر التي تُجسّد فشل المنظومة الإخبارية؛ أو عمل ماثيو داي جاكسون الذي يعرض نقش كبير المقاييس لغلاف مجلة لايف من عام 1943 وفيه تصويرة أيقونية لجنود أمريكان إبان الحرب العالمية الثانية؛
أوجد جاكسون مصطلح "horriful" ("الجميل الفظيع")، الذي يشير إلى أن الجمال والفظاعة هما عملياً وجهان لعملة واحدة "وكل ما يفصل بينهما هو ثُخن الصفحة" على حد تعريفه. الكثير من الأعمال المعروضة في المعرض قد تعكس ميل لهذا المصطلح – اعمال عناء وتعب، أعمال ساحرة، مثيرة وكبيرة المقاييس تسعى لوصف الواقع الزائف، المخترق والمُناوِر.
كتبت النص: عنات مرتكوفيتش